كل عصر له مميزاته وتحدياته الخاصة، ولا يمكن الحكم على أي منه بأنه أفضل بصورة مطلقة، ومن ذلك يمكن توضيح المقارنة بين الماضي والحاضر في محافظة المهرة؛ وذلك كالآتي:

## الحياة في الماضي:

الحياة المهرية في الماضي جميلة كريمة؛ تعطي الإنسان قيمته، ومكانته؛ بالرغم من بساطتها، وندرة المادة، والإمكانيات فيها. كما أنها بطيئة إلى حد ما؛ إذ يستطيع الإنسان مواكبة الأحداث فيها، واستيعابها واستمتاعه بها، وبما يدور من حوله، فيكون قادرًا على استغلال كل لحظة وتوظيفها لصالحه...

** المجتمع:

المجتمع المهري قديمًا متماسك إلى حدٍ بعيد، يضع أول أولوياته القيم والمبادئ والأخلاق، فهناك: (الإخلاص، النخوة، الشهامة، التعاون، الكرم، الوفاء، التسامح، والعفو...)، يتوسطه العديد من المُصلحين بين الناس؛ ذوي صدق، وحكمة، ورجاحة عقل... كما كانت المروءة، والحياء، والحشمة آنذاك أصلًا يفتخر به كافة المجتمع.

** العمل:

قديمًا كانت الأسرة المهرية تتخذ الشكل التقليدي من زوجة تسكن ببيت أبيها مع زوجها، وتقوم بمهامها تحت سقف بيت العائلة من تربية أطفالها، والطبخ، والغسيل والعناية بالمسكن وجلب مياه الشرب أو الحطب من مسافات بعيدة، والضيافة، وتخزين المؤنة للأيام القاحلة... أما الزوج فهو يكدح في عمله الشاق كالصيد، أو الزراعة، أو نقل البضاعة، أو البيع، وغير ذلك؛ لتوفير متطلَّبات البيت، والأولاد...

** التعليم:

التعليم محصور على المساجد في القدم، ثم تطور بشكل معقد إلى أن أصبح محدودًا على فئة الذكور، ثم بعد ذلك تطور شيئًا فشيئا في عهد بعض الروؤساء، وشمل الذكور والإناث ولكن في حدود المرحلة الإعدادية فقط...

** وسائل التواصل:

في القديم يعتمد على إرسال شخص للأخبار، كما يعتمد على كتابة الخط (الرسالة)، أو التسجيل في شريط، ومن ثم إرساله إلى الشخص المسافر.

** اقتصاد المهرة:

الحياة المهرية الأقتصادية في الماضي قائمة على الصيد، والزراعة، والتجارة التقليديّة، والاكتفاء الذاتي المعتمد على الإنتاج المنزلي بأدوات يدوية بسيطة...

** وسائل النقل:

وسائل النقل محصورة على الجمال في المهرة. ثم ظهر نوع خاص من السيارات بعدد محدود...

** البناء والعمران:

تعتمد المهرة على هيكلة البناء الواحد المكوّن من الطين، بتصميم الغرف المفصولة، ثم فيما بعد بالأحجار مع الأسمنت؛ بتصاميم تقليدية مشهورة بالممرات، والجدران السميكة...

## الزمن الحاضر

** المهرة في الحاضر:

شهدت المهرة تغيرًا حيويًّا ونوعيًّا في العصر المعاصر، بكافة الجوانب؛ وذلك في الإنسان نفسه، والمجتمع، وأساليب البناء، ووسائل النقل، والتعليم، والاقتصاد، والتجارة، كما واكبت تحديات التكنولوجيا. والتوضيح على النحو الآتي:

** الإنسان:

تغير جوهر الإنسان الحاضر عن الإنسان القديم، وذلك باعتياده على وسائل وسبل التطور في شتى أنماط الحياة، فما كان صالحًا للإنسان في الزمن الماضي لم يعد صالحًا لإنسان اليوم... بل لا يطاق العيش اليوم على نمط من أنماط الحياة القديمة ولو لحظة. كما أنَّ كثيرًا من الأمور نعايشها اليوم، لم يدركها آباؤنا وأجدادنا في معيشتهم آنذاك... وعلى الرغم من ذلك إلّا أنَّ الإنسان المهري اليوم لازال وإلى الأبد مدركًا قيمة عاداته وتقاليده، ومحافظًا على أصالة هويته حضاريًّا وثقافيًّا.

** التعليم:

التعليم اليوم في محافظتنا أصبح متاحًا وميسّرًا لكل صغيرٍ وكبير في كل مكان، وذلك إلى مرحلة الثانوية... ثم الانتقال للدراسة الجامعية في العاصمة... كما توجد عدة مراكز ومعاهد تقوم بندوات ودورات تعليمية تربوية تدريبية وتأهيلية؛ لتعزيز وترقية الإنسان والمجتمع...

** الاقتصاد:

تُعد المهرة في العصر الحاضر محورًا اقتصاديًا وتجاريًّا مهمًا في اليمن، إذ ازدادت حركة الملاحة البحرية، والنشاط التجارية؛من خلال منافذها البحرية والبرية... كما قد تطورت مهنة الصيد إلى قطاع خاص تحت مؤسسة، تدير عملية الاصطياد، المسماة بـ(الثروة السمكية)... وأمّا الزراعة فهي عاملٌ مُساهم في الاقتصاد الحالي، وذلك بأدوات ومعدّات بتقنية متطورة، وراقية.

** العمران والبناء:

شهدت المهرة تطورًا كبيرًا في الآونة الأخيرة في التعمير والبناء؛ إذ ارتفعت أبنية الفنادق، والصالات، والاستراحات والعمارات، بتشكيلات هندسية إبداعية مختلفة، كما تميزت وضعية البناء بـ(الطوب، والأسمنت).

** وسائل التواصل:

أدت التكنولوجيا في الوقت الحالي إلى تغيرات جذرية في كل مجالات الحياة، مما أدى بالإنسان المهري إلى التواصل مع العالم، ومعرفة ما يجول حوله، إذ كل وسائل الاتصال من (وتس، فيس، إيمو، تيلجرام، وسناب، وغيرها...) مفتوحة وسهلة للتواصل بين الافراد، كما تساهم في نشر الأخبار، وصناعة الأحداث. فما كان  يصعب الوصول إليه قديمًا فقد أصبح اليوم سهلا ومتاحا...

** العمل:

قيم الإنسان المهري كما هي في الزمن القديم، إذ لازال محافظًا على عاداته وتقاليده نوعًا ما؛ فيعيش مع زوجته وأبنائه تحت سقف بيت واحد مع أهل الزوجة... إلا أنَّ هذه العادة بدأت تتلاشئ في بعض المجتمعات في عصرنا هذا... إذ الزوجة بعد زواجها تذهب مباشرة لبيت زوجها... أما بالنسبة للعمل، فالزوج لابد بأنه يساندها بعض الشيء في بعض الأعمال الخاصة في البيت؛ كتربية الأبناء، ومدارستهم، وإيصالهم الى مدارسهم، ثم العودة بهم الى المنزل، والاهتمام بحسن الضيافة. كما تقوم هي بنفسها بأعمال الرعاية، والاهتمام بأسرتها الصغيرة... بينما تتقاسم في أعمال البيت مع أخواتها إن كانت في بيت أبيها، كالعناية بالمنزل، والطبخ، وضيافة الضيف، وغير ذلك... وقد يتواجد مع أغلب الأسر خادمات يقمن بهذا المهام... إضافةً إلى ذلك أن الزوجة في هذا الزمن تخرج غالبًا للوظيفة مثل الرجل، وبالرغم من عملها الخارجي فإنها زالت تعتني بالبيت والأولاد بنفسها...

** تنوع العمل:

قد نجد الإنسان المهري اليوم قليلًا ما يكتفي بالعمل في مجاله العملي؛ لأنَّ عمله اليوم لا يكفي للمعيشة بتاتًا! وهكذا نجد الكثير يلجؤون إلى إزدواجية الوظايف؛ أو من الضروري يلجأ إلى البحث عن عمل خاص؛ كالتجارة وغيرها، أو يلجأ إلى تطوير هويته التي تساعده في رفع الدخل.

    إلى جانب ذلك قد نجد البعض يلجأ الى العمل التطوّعي ضمن مجموعات منظّمة، لا سيما فئة الشباب، نتيجة لمشاعرهم السامية اتجاه خدمة المجتمع الذي يعيشون فيه.

**سلبيات عصر التطور في المهرة:

– بالرغم من أنَّ الحياة الحديثة في المهرة أصبحت أكثر راحةً وتطورًا، إلا أنَّها أيضًا أصبحت أكثر تعقيدًا وضغطًا على الأفراد والمجتمع؛ إذ التطور أصبح سريعًا، دون أن يعي الشخص بما يحدث أمامه، أو ما يحصل في المجتمع، وبالتالي يجد نفسه عاجزًا عن استيعاب ما يريد القيام به...

– بالرغم من أنَّ الكهرباء تعد من أولى عوامل التطوّر التكنولوجي، إلا أنَّ المهرة ما زالت تفتقر إليها في ظل غياب ازدهار الدولة...

– أصبح الإدمان على الإنترنت والهواتف الذكية مشكلة تعانيها الأسر  اليوم، ولا سيما عند الأطفال مما أدّى بهم إلى التوحد..

– المجتمع المهري لعدم وعيه الكبير بتحديات العصر الناتجة عن الانفتاح أصبح غير قادر بعض الشيء على مواجهة تلك التحديات التي بدت تظهر شيئًا فشيئا.

** التوصيات اللازمة لمواكبة تحديات المستقبل:

  * المستقبل سيشهد تطورات جديدة، تؤثر بشكل كبير على مستقبل أسلوب الحياة، وتحتاج إلى معالجة متوازنة لحل المشكلات، وتعزيز  الإيجابيات... لذا يجب على المهرة الآتي:

– أن تمتلك رؤية مستقبلية واعدة؛ لتحقيق التنمية المستدامة في المنطقة، وتحسين مستوى معيشة السكان، وتحقيق الاكتفاء الذاتي...

   – الاهتمام بالعقول الواعية، الذكية، البارعة، المبدعة، المبتكرة؛ النافعة، والوافية في كافة المجالات، والتي تلعب دورها الإيجابي ضد الانفتاح السلبي...

– التركيز على البنية التحتية لكل الموارد المهمة في المحافظة من (مؤانئ، طرقات، مستشفيات، طاقات كهربائية، مؤسسات تربوية وتعليمية، معاهد لغوية، مراكز بحثية، ومؤسسات ابتكارية....)

            ✍️ صفية عيسى السليمي